هل أنت واحداً منهم؟
قيل ومن الغرباء:
قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، يمسكون الحق، ويعضّون عليه بالنواجذ، وهم الذين يُصلحون ما أفسده غيرهم، قلة بين كثرة لم يشفع لها عددها، فاغتربت عن قيمها، وذاقت الأمرّين.
حتى العزيز غريب في دنيا المنافقين، والصادق غريب في صحراء المكذبين، والمعطي غريب في متاهة الأنانية والطمع، لكن الأمل ليس بغريب ولو جدبت الأرض، وأقفرت الأحداث موصدة أبوابها، طالما أن هناك ذات تسعى ألا تخسرها، فأنت رابح، فماذا لو ربح الإنسان العالم كله وخسر نفسه؟!
غُربةُ النفس من أصعب أنواع الغُربة وأنكأها جراحاً وألماً، فحين يتغربُ الإنسانُ عن ذاته ويصبحُ مُنسلخاً(عنها)، حين يبحثُ عن فرح مخبوء داخل جدران نفسه ولا يجده، حين يفقد قدرته على استشعار طعم السعادة وحين يتوقد جمر الحنين إلى مشاعر من الرضا كانت تسكنه يوما ما فحينها يكون قد دخل فى سُباتٍ من الغربة الداخلية.
فأصبح من يعيش في الوطن يعاني من الغربة الداخلية ومن رحل للاغتراب عانى غربتين ، مرّت الأيام وكبرنا في مجتمعنا الجديد نقاوم الصعاب بقوة الله وعنايته التي رعانا بها ونكافح على البقاء.
تغدو الأوطان منافي حين تضيق سبل العيش وتتلاشى فرص العمل والكسب، حين تنعدم إمكانية العيش الكريم، حين تتقلص الخيارات وتذوي الأحلام والآمال. تغدو الأوطان منافي أكثر قسوة حين تصير بيئات طاردة أسهل ما فيها الموت وأصعب ما فيها الحياة.
إن راودك شعور بأنك لست أنت، وأن آخرًا حلّ مكانك، وأصبحت تراقب أفعاله «اللا واعية»، وافتقدت بعضًا من مهاراتك الذهنية، وكذلك سماتك الشخصية، ولم يعد يتملكك شعور الوجود في المكان، وتتبلّد مشاعرك، وتفقد رد الفعل المناسب للانطباعات التي تعتريك، فتتخبط في تقييم ذاتك، بين ما عندك من قدرات، وبين ما يحيط بك من تناقضات، فتصبح عاجزًا على التكيف مع الأنماط الثقافية مهما بدت مشابهة لمعارفك أو حتى مناقضة لها، وتختار العزلة والابتعاد حلًا، اعلم حينها أن لديك تبددًا في شخصيتك، عليك أن تبحث عن ذاتك، وتلملمها من غمرة شتاتها، وتبنى سلاماً مع نفسك لكي تقاوم به التيار.
إعلم عزيزي القارىء أنه لا بد لكل منا من جلسة صدق مع أنفسنا ونتصالح مع الذات وننتزع خيوط الاكتئاب من داخلنا، فمن الذات يتم الانطلاق إلى الآخرين حتى تستقيم الحياة بنا ونعود إلى أنفسنا لكي نطلق شموس الأمل والمحبة والسلام في شرايين المستقبل، ونفتح قلوبنا لنسائم التفاؤل بالغد المشرق القادم ونرتقي سلم الاستقرار كي نخرج من شرنقة الإحباط إلى فضاءات الأماني ونتماسك ونتوحد مع الأشياء ثم مع العالم.
في هذة اللحظات المأساوية التي نعاني منها في عالمنا العربي يجب أن نتكاتف سوياً لكي تلتئم الجروح وترمم ما حل بأوطاننا من خراب ودمار، ونعيد بنائها من جديد.
أن نتمتع بأفكار إيجابية مستقبلية نخيط بها مستقبل أجيالنا القادمة، لا أن نزيد في خرابها ودمارها ، فإن رحلت الأوطان فلن تعود مرةً آخرى.
هل أدركت الآن من هم طائفة الغرباء في أوطانهم، إنهم أشخاص يوقدون الشموع لكي يُنيروا للآخرين طريقهم.
هل أنت واحداً منهم؟
دمتم بألف خير